فيما يقرب 700 صفحة، صدرت رواية جديدة بعنوان “جسر النعمانية” للطبيب الأديب المغربي عبد النور مزين، الذي سبق أن بلغ عمل له القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية.
وعبر طرح أسئلة متعددة تهم بالخصوص الهوية كبعد من أبعاد الذات بارتباطها بتشكّل وتبلور “الأنا” في ارتباطاته المعقدة بذلك “الآخر” المختلف والحيوي أيضا لتحديد الذات و”الأنا”، تحاول رواية “جسر النعمانية” الغوص في “متاهات الهويات وصراعاتها وتأثيراتها على نمو وتطور واستقلالية شعوبنا على امتداد جغرافياتنا”.
وأوردت ورقة العمل الصادر عن دار سليكي أخوين: “لقد استطاعت الثورة الرقمية أن تجسر المسافات بين الشعوب عبر ثورة غير مسبوقة في وسائل التواصل وما أتاحته من إمكانية سيطرة غير مسبوقة، وإعادة تشكيل فكر ووعي شعوب خارجة لتوها من مراحل طويلة من العبودية والرق والاستعمار المباشر، وما تبعها من سيطرة استعمارية غير مباشرة التي كرست تبعية مطلقة لسرديات غربية تروم السيادة وإسكات كل الأصوات التي أنتجتها ذاكرة الرق والاستعباد. بالإضافة إلى عملية التجسير تلك، وعبر تنامي الوعي بالهويات التي كانت في مراحل الاستعمار تتماهى مع حركة التحرير والانعتاق لتجعل من الهويات الوطنية رموزا للمقاومة وجسورا نحو الاستقلال الوطني، تنامت تلك الأبعاد الهوياتية في مختلف تجلياتها، كما حددتها سرديات الغرب الفلسفية والسوسيولوجية والدراسات الأنثروبولوجية وغيرها، لتغدو أدوات جديدة من ضمن أدوات وأشكال السيطرة الجديدة التي تقع الثورة التكنولوجية والرقمية في القلب منها”.
وتتخذ الرواية من بلدة النعمانية وجسرها الممتد على نهر تيماثان، الذي يخترق البلدة ويقسمها إلى جزء شرقي وجزء غربي، “بداية ومركزا لأحداثها ونقطة ارتباط لتطوراتها. بلدة النعمانية التي كانت مسرحا لغارات خلفت دمارا وضحايا أدت إلى نزوح وشتات الكثير مما نجا من تلك الغارات”.
في هذا القبل تتوارى النعمانية عن ناظريها وهي على طريق النزوح”، و”عائلة تزيري، صديقة السعيد في المدرسة، التي لم تتجاوز العاشرة، نزحت هي الأخرى لتتوالى الأحداث على طول محطات الشتات”.
وهكذا “مضى السعيد وتزيري، كل واحد منهما على طريق شتاته الخاص به، يحملان من النعمانية ذاكرة القصف والأشلاء والتوق والحنين أيضا إلى ضفاف النهر والجسر ودفق أحاسيس الطفولة والصبا التي عاشاها معا هناك”.
وتتعقد أحداث العمل الروائي الجديد إلى “تناحر على شكل ميليشا امتدت لتشمل كل جغرافية البلد”، علما أن الرواية “لم تحدد أي بلد ليظل بلدا متخيلا بكل تفاصيل مدنه وبواديه، بحاره وجغرافيته، وتفاصيل حياته السياسية والاجتماعية في ارتباطاتها مع الأبعاد الهوياتية التي انتصبت كخلفيات لوحدات سياسية واجتماعية مجسدة في النشيدين المتضادين كمرجعية لتنظيمين من الميليشيا؛ وهما الذئاب القرمزية والذئاب البيض”.
و”في هذه الأوضاع غير المستقرة والتي تتغذى أساسا على مفاهيم ذات أبعاد هوياتية شكلتها بدرجات مختلفة التأثيرات المختلفة للتاريخ والإرث الاستعماري الذي خلفته حقب الاستعمار المتتالية”، تنضاف “الصراعات الجيوسياسية التي تتداخل فيها تأثيرات السرديات الغربية، ولعبة الأجندات والتوازنات السياسية على المستويين العالمي والإقليمي”، وتتجلى “كل هذه التمظهرات في الرواية من خلال تطور الأحداث وتفاعل مختلف المتدخلين والفاعلين، سواء كانوا فاعلين محليين أو خارجيين، وعبر قنوات وأشكال مختلفة، لعبت فيها الارتباطات ما بعد كولونيالية والوسائل المتطورة للثورة الرقمية ووسائط التواصل الحديثة أدوارا مهمة وأساسية”.
وتذكر ورقة المنشور الجديد أنه أمام كل هذه المعطيات والتحديات التي تواجهها مجتمعاتنا من المحيط إلى الخليج وكل عموم شعوب الجنوب؛ “حاولت الرواية طرح أسئلة عديدة وذات إلحاح حول الأدوار التي يمكن أن يلعبها التنوع الثقافي والهوياتي داخل مجتمعاتنا كمحددات أساسية بارزة تركز عليها السرديات الغربية عبر الآليات الجديدة التي أتاحتها الثورة التكنولوجية والرقمية وعولمة الاتصال من أجل السيطرة والتحكم وتفتيت الهويات الوطنية لمجتمعاتنا”.
يذكر أن عبد النور مزين طبيب وكاتب مغربي يكتب الرواية والقصة القصيرة والشعر. وقد أصدر من قبل المجموعة القصصية “قُبلة اللُّوسْت”، والديوان الشعري “وصايا البحر”، ورواية “رسائل زمن العاصفة” التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر سنة 2016، وأخيرا روايته الحالية “جسر النعمانية”.