الأفغانية مقدسة أحمدزاي

تحتل القيادات النسائية الصدارة في نشرات الأخبار وتثير الإعجاب، خاصة إذا كان المنصب سياسيا، فهن المدافعات عن الأمان الاجتماعي لبقية نساء شعوبهن، والساعيات إلى تحسين حياة الأسر، والمؤمنات بضرورة وقف التمييز العنصري وحماية أصالة شعوبهن، وهن أيضا من ابتكرن حلولا لعلاج آثار أزمة كوفيد-19 الإنسانية. ومن بين العديد من القيادات النسائية، اخترنا لكم الأفغانية احمدزاي.

كانت مقدسة في التاسعة من عمرها عندما وصلت طالبان إلى السلطة أول مرة، وعرفت أن النساء والأطفال هم من يدفعون ثمن واحد من أطول الصراعات في العالم.

تبلغ مقدسة اليوم 27 عاما، وبصفتها ناشطة اجتماعية وسياسية، أخذت على عاتقها دعم النساء ومجتمعاتهن خلال جائحة كوفيد-19، إذ تسافر بانتظام إلى معاقل طالبان، حيث لا يزال الرجال يتحكمون في الوصول إلى المعلومات، وينشرون معلومات مضللة قد تودي بحياة النساء وأطفالهن.

تحاول مقدسة إنقاذ حياة النساء المحرومات من حقوقهن الآدمية في أفغانستان، فهي عضوة سابقة في برلمان الشباب الأفغاني الذي تم إطلاقه بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، وناشطة حقوقية نسوية، ونظمت شبكة من أكثر من 400 ناشطة شابة من إقليم ننغرهار شرقي أفغانستان، للسفر إلى المناطق المجاورة ومساعدة النساء الناجيات من العنف المنزلي والأزمات الاقتصادية.

يعتبر عمل مقدسة فريدا للغاية في أفغانستان، فلا يقتصر على تقديم الخدمات والدعم مباشرة للناجيات من العنف، ولكنها أيضا تمزج بين الفن والعمل المجتمعي؛ فترسم جداريات بالشوارع لوقف العنف. 

نبذات عن حياة مقدسية احمدزاي

لم تكن أسرتها تسمح لها بالذهاب إلى المدرسة، لكن الفتاة الأفغانية مقدسة أحمدزي، صممت على استكمال تعليمها، قبل أن تكافح لتعليم غيرها من النساء في أفغانستان، رغما عن الأعراف والقيود والمعوقات، حتى اشتهرت على مستوى البلاد.

بعد أيام من ولادتها قام أحد أفراد الأسرة برميها خارج البيت، لأنها كانت البنت التاسعة في أسرة لا ترغب في الفتيات. ظلت في الخارج لثلاث ساعات تقريبا، قبل أن تصل إليها أمها وتنقذها من موت محتّم.

نشأت الفتاة في أسرة متشددة تنحدر من البدو الرحّل المعروفين في أفغانستان باسم “كوتشي”. كان شأنها شأن بقية أخواتها، تعمل في المنزل، ولا داعي للخروج إلى الدراسة. لكنها أصرت على الدراسة. سمحت الأسرة لهار بالخروج، ولكن فقط إلى المدرسة. وكان والدها يردد أنها ستدرس حتى الثانوية، ثم “كأي امرأة أخرى، ستبقى في المنزل”.

لم تقتنع مقدسة بذلك، فكانت تدرس اللغة الإنكليزية والإعلام خفية، وكان يخطر ببالها أحيانا كيف يمكن أن تعمل كإعلامية، رغم أن الأسرة لن تسمح بذلك، لكنها واصلت المسيرة. كانت تحضر الأندية الأدبية كشاعرة، وتواجه الضرب والتوبيخ بعد ذلك.

تقول “كلما كنت أحضر النادي كنت أعاقب بالضرب والتعنيف لمدة أسبوع. أجريت حواراً، في يوم من الأيام، مع جريدة محلية كشاعرة، لم أكن أعرف أني سأواجه مشاكل جمة مثل ما واجهته بعد أن عرف أبي”.

استمر الحال هكذا. كانت الفتاة تتعلم وتشارك في الأندية الأدبية عندما تتاح لها الفرصة، والأسرة تحاول منعها بشتى الوسائل.

وفي أحد الأيام، جاء أحد أقاربها وبيده ديوان شعر ألّفته مقدسة. قال الرجل لأبيها إنه فخر واعتزاز أن تفعل ابنته ما عجز عنه الرجال.
كانت تلك نقطة التحول في حياتها، إذ إن أباها بدأ يغيّر رأيه، بعد تخرّجها من الثانوية، أقنعت الأسرة بالالتحاق بالجامعة بعد نضال طويل، وكانت المرحلة الفاصلة، منذ تلك اللحظة، قررت الأسرة التي كانت تقاومها، الوقوف بجانبها، لتمضي إلى الأمام، حتى تخرجت من كلية الإعلام.

أفغانيات صغيرات يجهلن مصيرهن

تعيش مقدسة في مدينة جلال أباد، مركز إقليم ننجرهار شرقي أفغانستان، حيث وُلدت، لكن أسرتها من مديرية أزره بإقليم لوجر المجاور للعاصمة، وكان العيش في منطقة غريبة تحديا آخر، إذ إن الثقافة والمجتمع غريبة تماماً، وبالتالي العمل الاجتماعي والنشاط لأجل النساء كان صعبا، ولكن بفضل نضالها ووقوف أسرتها معها تجاوزت كل التحديات.

تقول إن “العمل في المجتمع الأفغاني صعب على أي امرأة، خاصة أمثالي، لأنني أعيش في إقليم يعتبرونني فيه غريبة. لذا واجهت شتى أنواع العقبات والمشاكل، ولكن بفضل الله ثم بفضل عزيمتي وتعاون أسرتي، كانت نجاحاتي الكثيرة”.

أسست مقدسة معهدا لتدريس النساء والفتيات اللغات وأنواعا من العلوم، ويتخرج منه سنويا المئات. كما أسست الاتحاد النسائي “كور”، الذي وصل عدد أعضائه إلى 2500 امرأة، بينهن 450 شاعرة وكاتبة، كلهن يساعدن في الأعمال النسائية، وبينها تحسين أحوال المرأة الأفغانية، وإنهاء النزاعات الأسرية.

كما أسست مؤسسة باسم “الصلح”، وفيها جمعت الشباب والفتيات من أجل العمل للمستقبل، وبين أعمالها الوصول إلى الأطفال اليتامى والمشردين، وإتاحة فرص التعليم لعشرات الأطفال الفقراء.

تبدو مقدسة راضية عما فعلته الحكومات الأفغانية المتعاقبة، خلال العقد الماضي، إذ إن مئات الآلاف من الفتيات وجدن طريقهن إلى المدارس بمساعدة المجتمع الدولي، “لكن المشكلة تبقى في تطبيق مشاريع تهم النساء ويمولها المجتمع الدولي” على حد قولها.

Comments (0)
Add Comment